موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

مدوّنة الثلاثاء

الوحشيّة

10/1/2019

0 Comments

 

الوحشيّة 
 الثلاثاء ١ تشرين اوّل/أكتوبر ٢٠١٩​

Picture
عام ١٩٢٠ فرضت الحكومة الكنديّة المؤلّفة من مسيحيّين ورعين، أن يذهب كلّ طفل بين السابعة والسادسة عشر من السكّان الأصليّين إلى مدارس داخليّة خاصّة بهم وُضِعَت تحت إدارة الدولة والكنيسة الكاثوليكيّة. أرسلت الدولة قسرا إلى تلك المدارس ١٥٠ ألفا من الأطفال منذ ذلك الحين وحتّى ... منتصف التسعينات!!! المعروف أنّ ٢٨٠٠ طفلا منهم "ماتوا"، والرقم تقريبي لأنّ الحكومة أوقفت تسجيل عدد القتلى بسبب ارتفاع نسبتها. آلاف الأطفال أُخِذوا قسرا من والديهم ذهبوا للمدرسة ولم يعوداـ أمّا الذين نجوا من هذه المحرقة فقد خضعوا لمعاملة وحشيّة (ضرب، تعذيب، تبخيس، تحرّش، اغتصاب). إنّها الوحشيّة التي تلبس ثياب التمدّن الناعمة، وقلنسوة العفّة والفقر، إنّها التي تفقه لغة الموسيقى والسياسة والاقتصاد وحتّى الفلسفة. إنّها الوحشيّة، أي الإنسان الذي نسي قلبه وأرسى هوّة بينه وبين وجهه؛ الوحشيّة التي تربض في قلوبنا جميعا ونَلْحَظُها عندما يستفزّنا لون جلد الخادمة الأجنبيّة إن جلست معنا على الطاولة أو سوّلتها نفسها أن تنزل بركة السباحة، أو مجموعة من الأهالي من أصول هنديّة، أو عمّال سوريّون ساكتون، أو لكنة إنسان من فلسطين، أو مسلمٌ لأنّه مسلم، ومسيحيّ لأنّه مسيحيّ، ويهوديّ لأنّه يهوديّ، وهندوسي لأنّه هندوسيّ، وملحد لأنّه ملحد، أو امرأة في موقع سلطة لأنّها امرأة، أو مثليّ ومثليّة لأنّهما مثليّان... أو أيّ آخر لأنّه مجرّد آخر.
​
الحكومات الكنديّة بحكمتها أرادت أن "تدمج" السكّان الأصليّين بالـ"مجتمع"، ترجمة ذلك أنّها. سعت كي ينسى الإنسان الأصليّ لغته وثقافته وديانته وطريقة لباسه وأغانيه، لكي يكون "لا هو" و"لا هي" وإنّما ما تريد لهما الحكومة البيضاء جدًّا أن تكونا (فليحذر كلّ من يسمع بكلمة "دمج" في أوروبا وفي بلاد العالم أجمع). من بقي حيّا من تلك المدارس، أي الذين ذهبوا وعادوا، عادوا مكسورين، ضاعوا، واليوم يتساءل المهاجرون الجدد الذين "ابيضّوا" منذ سنوات قليلة وصاروا ليسوا، لم لدى السكّان الأصليّين كلّ المشاكل الحاليّة (حالات انتحار واسعة، إدمان)؟ لا يتساءل "البيض الجدد" لم لا تهتمّ الحكومات المتعاقبة الحاليّة بتأمين مدارس لمناطق السكّان الأصليّين؟ لم لا تهتمّ بنظيف مياههم من الزئبق لعشرات السنوات؟ لم يعاملون في المستشفيات بقلّة احترام وعدم اهتمام؟ لم عقّمت مستشفى سيّدة من السكان الأصليّين دون إرادتها عام ٢٠١٩!؟ لِمَ لَمْ يترك المؤمنين اللهَ يعبر من الكتاب إلى القلب؟ ولِمَ غدا الصليب شيئًا مُعلّقًا فوق الصدر عوض أن يُبرِزَ المسيح في وجه الموجوع؟ هذه أسئلة هامشيّة لا بدّ، فالمهمّ أنّنا نحبّ الله، وأنّه "ليس إله عظيم مثل إلهنا"، والله معنا"، والحمد لله (ليس عندي أدنى شكّ بأنّ مسلمين أيضا يفكّرون بنفس الطريقة هذه، ويهود أيضًا، إلخ. إلخ. إلخ.). حتّى هذا البابا الفذّ يمتنع عن الاعتذار من السكّان الأصليّين عن دور الكنيسة التي أدارت مسرح الوحشيّة، وغطّتها، واشتركت فيها بشخص بعض إكليروسها. أمّا الحكومة، فهي سريعة في الاعتذار، بطيئة في الأفعال.

لا يستقيم هنا القول بأنّه يجب علينا ألاّ نحكم على أفعال الماضي بعقليّة اليوم، فيسوع أتى منذ ٢٠٠٠ عام وقال قولا بسيطا جدّا: أحبّوا بعضكم بعضا، واعضدوا الضعفاء والمهمّشين. لم يكن العبيد الذين آمنوا في بداية المسيحيّة أناسا مثقّفين، ولا جهابذة عدالة وفلسفة وعلوم، كانوا مجرّد أناس فهموا أنّ الله أحبّهم لدرجة أنّه أصبح واحدا منهم ليصيروا مثله ومعه، وأنّه هو الحياة الحقّة ولذلك اقتسموا طعامهم مع غيرهم، لم يحاولوا أن يموتوا بل هربوا من الاضطهاد، ولكنّهم قبلوا الموت دون أن يتراجعوا عن حبّهم، ولذلك أيضا كان الرهبان في مصر يعملون ويوزّعون نتاج تعبهم على الفقراء، ولهذا بنى باسيليوس مستشفى، وغير ذلك الكثير.

ولكن ماذا ينفع كلّ هذا، لا شيء، هذا فقط تاريخ. لا ينفع شيئا في حياتي أنا إلاّ إذا أنا عشت بلحمي ودمي هذا التاريخ المسيحيّ المضيء، وتعلّمت أن أكون منتبها كي لا تستغرق نفسي في النوم، فأكرّر التاريخ "المسيحيّ" المظلم. الحرب الأهليّة بظلامها المسيحيّ (والاسلاميّ) ما تزال ماثلة، وما تزال تهليلات المسيحيّين (والمسلمين) للجرائم في سوريّا ماثلة.

لسنوات طويلة مضت، كنتُ أتساءل ألَمْ نتعلّم بعد ٢٠٠٠ عام ما هي رسالة يسوع وكيف ينبغي أن نكون؟ منذ سنوات لم أعد أتساءل: ليس المهمّ أن يعرف الإنسان تعليم يسوع بالفكر، الصعوبة هي في عيش هذا التعليم، وليس من سبيل إلاّ أن يمرّ كلّ إنسان شخصيّا بالصراع بين تعليم يسوع وحضوره في القلب والجماعة والدنيا بأنّ الحياة والوجود تكمن فيه هو الذي يفجّر بروحه ينابيعَ الحبّ والفرح فينا، وبين أوهامه عن ماهيّة الحياة الحقّة. إنّ المأساة ليست فقط الإنسان هي أيضًا مأساة الله التي عبّر عنها بقولٍ ورد عن لسانه في الكتاب "ظهَرتُ لمَنْ لا يسألونَ عَنِّي، ووُجِدتُ لمـَنْ لا يطلُبونَني، وقُلتُ ها أنا، ها أنا هُنا، لأُمَّةٍ لا تدعو با‏سمي. مدَدْتُ يدي نهاراً وليلاً نحوَ شعبٍ مُتمرِّدٍ عليَّ يسيرونَ وراءَ أهوائِهِم في طريقٍ لا خيرَ فيهِ ويُعاكِسونَني في كُلِّ حينٍ. يُقدِّمونَ ذبائِحَهُم في الجنائِنِ ويُبخِّرونَ على مذابِـحِ الأصنام" (إشعياء 65: 1-3)، "تركوني انا ينبوع المياه الحية ليحفروا لأنفسهم آبارا مشققة لا تضبط ماء" (إرمياء 2: 13). "قد وَضَعْتُ أمامكم اليوم الحياةَ والخير، والموت وَالشرّ... أوصَيْتُكم اليوم أنْ تحبّوا الرّبّ إلهَكُم، وأنْ تَسلكوا في طرقه.. لتحيوا وتنموا... ولكِنْ إنْ تحوَّلَتْ قلوبُكم ... فـ...إنّكم لا محالة هالِكُون" (تثنية 3: 15-18)، لأنّكم تهلكون أنفسكم بأنفسكم، لأنّكم تسلكون طريق الوحشيّة، والوحشيّة تأكل القلب بالوَحْشَة، بالعزلة والضمور. يبدو أنّه على كلّ إنسان، في كلّ جيل، وحتّى منتهى الدهر، وربّما بعده، أن يقرّر مصيره بنفسه، أن يصارعَ، في حلبةِ هذا العالم، الوحشَ "الصاعد من الهاوية" في قلبه، ليغلبه بالحبّ، بالمسيحِ الذي فيه، من أجل حياته شخصيًّا، ومن أجل حياة هذا العالم.

خريستو المرّ
0 Comments



Leave a Reply.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة