موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

مدوّنة مقالة الثلاثاء

في البدء كانت الحرّية

7/30/2019

0 Comments

 

في البدء كانت الحرّية
الثلاثاء ٣٠ تمّوز ٢٠١٩​

​أحيانا كثيرة يبدو المسيح غريبا عن كنيسته. مرارا وتكرارا يطلب من يعلنون بفخر أنّهم أتباعه (ومنهم كهنة ومطارنة) أنّهم غاضبون من محتوى ثقافيّ لأنّه يمسّ بـ"مشاعرهم الدينيّة" أو غير "أخلاقيّ" برأيهم، ويتداعون إلى مواجهة الفاعلين ويطلبون "تدخّل الدولة" لمنع حدث ثقافي أو آخر: فيلم "تنّورة ماكسي"، دعاية "الطرقات الزفت"، أغنية، إلخ. هذه المرّة بدت عدّة دعوات واضحة إلى ممارسة العنف بحقّ "المذنبين" المفترضين من فرقة موسيقيّة. لا قانون ولا قضاء ضروريّ بالنسبة لهؤلاء، فالموضوع "خطير" وهم يريدون أن يدافعوا عن... الله! وهنا كلّ المفارقة؛ كأنّ الله يلزمه جماعات تعمل بالعنف للدفاع عنه، والمفارقة الكبرى أنّهم يفعلون ذلك باسم يسوع، يسوع الذي "قصبة مرضوضةً لم يَكسر، وفتيلا مدخّنًا لم يُطفئ"، يسوع الذي رفض أن يدافع بطرس عنه بالسيف: "أردد سيفك إلى غمده" قال له تلك الليلة على جبل الزيتون، حيث أسلمه يهوذا إلى الكارهين، الغاضبين هم أيضًا لمسّ يسوع بمشاعرهم الدينيّة. حبّذا لو تداعى مطارنة مع الرعايا لبحث القضايا الإنسانيّة في لبنان، لبحث النهب الممنهج الذي تحميه الطائفيّة، لبحث في سبل الوصول إلى دولة عصريّة لا طائفيّة.
المفارقة الأخرى أنّ الانتماء إلى يسوع بات أكثر فأكثر بُعدا عن يسوع، بات أكثر فأكثر سطحيّة، أكثر فأكثر طائفيّةً. بات يسوع بالنسبة للكثيرين صنمًا (طوطمًا) يمثّل القبيلة الدينيّة ونرجسيّة الأنا الجماعيّة، صنمًا ترفعه القبيلة الطائفيّة لمواجهة القبائل الأخرى في الحروب على المصالح؛ وبات يسوع بالنسبة للمتنفّذين من سياسيّين ورجال دين وسيلةَ شدِّ عصبيّة قبليّة حولهم، وكلّ متنفّذ يتنكّر بقناع "الحامي" و"الملك" الحريص على حماية المسيح والمسيحيّة، ولكنّه يعمل في الواقع كي تحيا القبيلة وتتحرّك وتوجد من أجل مصالحه، أي كي يستعبدها. بالفعل، الطائفيّة تفسد الإيمان، فهي تحوّل يسوع وسيلةَ عبوديّة بينما هو "الطريق والحقّ والحياة" الذي "به نحيا ونحرّك ونوجد" من أجل أنفسنا ومن أجل كلّ الناس، لا من أجله هو. سطت الطائفيّة على يسوع وحوّلته إلى وسيلةً لتعطيلِ العقلانيّة والانحدارِ إلى الغوغاء، وسيلة لتعطيل صورة الله في الإنسان!
يسوع هو يسوع المصلوب، وليس الصالب. لكنّ هذا بات غائبًا عند الكثيرين. الحماس دون عقل ليس فضيلة إنّه كارثة كبرى، رذيلة تولّد الرذائل. يسوع المسيح مدّ يديه على الصليب وقَبِلَ أن يقتله الناسُ الذين رفضوه. ولنتذكّر أنّ يسوع هو إنسان وهو أيضًا كلمة الله الخالق، الذي خلق العالم كلّه ومعه هؤلاء الناس الذين صلبوه. هذا زلزال للفكر البشريّ، وبالتأكيد مشكلة للفكر الطائفيّ. هذا الإله المتأنّس فضّل أن يُقتَل على أن يَقْتُل، فضّل أن يُعَلّقَ على خشبة من أن يجرح قاتليه بسيف، اختار أن تخترقه مساميرهم على أن يجبرهم على احترامه. لم يقع يسوع الإنسان في خطيئة الحقد والتدمير، ولا في خطيئة قسر حرّية الناس.
هل ضاع المسيحيّون عن مسيحهم، وعن أجمل ما في تاريخ كنيستهم؟ أَذَنْبُهُم أم ذنب رجال الدين الذين اختفت عنهم روح القيادة والمسؤوليّة أو هم اختفوا عنها، فإذا بهم ينجرّون إلى أسوأ ما في مَن تَسَمّوا على اسم يسوع؟ ألا يتحدّث التراث الكنسيّ في صفائه لغةَ الحرّية؟ بلى، لكن لا يفهم لغة الحرّية إلاّ الذي عرف روح الربّ فعلاً لأنّ "حيثما روح الربّ فهناك الحرّية"، لا يفهم لغة الحرّية إلاّ الحرّ.

                                                                 ***
يخبرنا التراث الرهباني في قول مأثور بأنّ "الله قادر على كلّ شيء إلاّ على أن يجبر الإنسان أن يحبّه". الله هو محبّة وحرّية وأراد الحرّيةَ للإنسان، لأنّ بدونها لا يمكن لإنسان أن يحبّ.
والله بِفِعْلِ الخلقِ نفسِه "أخلى" ذاته ليكون الكونُ ويكون متمايزًا عنه، واحترم هذا التمايز، احترم الكون كآخر. أمّا يسوع فهو الكلمة الذي "أخلى ذاته" من كلّية قدرته، ولكلّية محبّته للبشر تجاوز تجاوزَه للكون كي يصير إنسانًا في الكون، وينزل إلى جحيم الإنسان، ليقيمه حرًّا من الموت، فيخلِّص بذلك الإنسانَ إن أرادَ. ولهذا يأتي على لسان يسوع "ها أنا واقف على الباب أقرع إن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب، أدخل وأتعشّى معه، وهو معي". "إن فتح" أي بملئ حرّيته. يسوع لا يفرض نفسه، لا  يدخل القلوب عنوة بل ينتظر حرّية الإنسان أن تتجاوب مع حرّيته ومحبّته.
منذ بدء الخليقة جعل الله نفسه "بحاجة" إلى الإنسان، منذ البدء والله مشرّدٌ خلفه، مشرّدٌ يفتّش عنه بعطش المُحِبّ إلى الحبيب. "عطش" الله يرشح من سؤاله لآدم "آدم، أين أنت؟". كان "آدم" (حرفيًّا "الأرض") مختبئا عن الله، ولا تزال الأرضُ مختبئة، ولا يزال المسيح مشرّدا فيها في كلّ مشرّد، ولا يزال عَطِشًا يلاحق كلّ قلب ضائع. منذ ذاك العطش الذي في البدء، حتّى الإفصاح الكامل عن العطش على الصليب "أنا عطشان"، كان الله يلاحق الإنسان ويحاول أن يجذب قلبه وعقله، كان يعيش مع الإنسان إخلاءً إثر إخلاء، عَطَشًا إلى اللقاء إثر عطشٍ. وأخيرًا، "لقد تمّ"، على الصليب "تمّ" كلّ شيء، بلغ الله قاع الموت الإنسانيّ ليفجّره من الداخل؛ أخيرًا تمّ الإخلاءُ الكامل، وحقّقه المسيح بحرّيته الإنسانيّة في تمامها، أي برفض يسوع حتّى الرمق الأخير قهر حرّية إنسان آخر، بمحبّته الخالية من كلّ قهر. ولدته مريم بحرّيتها، "فضرب خيمته بيننا" بحرّيته؛ رفضه الناس بحرّيتهم، وبقي مُحِبًّا حُرًّا حتّى ثمالةِ العطش في قاع الموت، فقام من الموت.
لم يوافق يسوع صالبيه ولا نفاقهم وخالفهم حتّى النهاية. لكن بقبوله عار الصليب (والصليب كان علامة عار اجتماعيّة) "أباد حكمة الحكماء وفهم الفهماء". لو يقبل المسيحيّون هُزء العالمَ بهم لشهدوا للحرّية والمحبّة كسيّدهم، لكانوا مُقنِعين للقلوب قبل العقول "ولجذبوا إليه الكثيرين". لكنّ المُغالين يتكلّمون عن المحبّة كلامًا ويرفضون شهادتها؛ ينجذبون للعنف وللتهديد وللوعيد. يريدون كسر حرّية الآخرين لا الإقناع، ومن أجل المسيحيّة يريدون كسر الإنسان، ونسوا أنّ المسيحيّة جُعِلَت للإنسان لا الإنسانَ للمسيحيّة. وبالتهديد والإرهاب يريدون الدفاع عن سيّد المحبّة. هل من تناقض أبعد من هذا؟ ألم يفهم المدجّجون بـ"الغيرة" أنّ النبي إيليا أخطأ بغيرته وبممارسته القتل، وأنّه لم يجد الله لا في زلزلة ولا في نار بل في همس خفيف؟ لا تتحوّل القلوب إلاّ في الهمس الخفيف، والله عاشق القلوب لا قاهرها.
الله محبّة، والملكوت هو ملكوت محبّة، ولأنّه كذلك فهو ملكوت حرّية، ولا يدخلُ الملكوتَ إلاّ الأحرارُ. إنّ الإيمان المسيحي بالثالوث يعني أنّه في البدء كانت المحبّة، في البدء كانت الحرّية. التلميذات والتلاميذ الحقّ ليسوع يلاحقون السيّد، يتتبّعون خطواته، يستنطقون جمال الكون ليسمعوا ألحانه، يقلّبون صخور المصاعب ليجدوا فتات كلماته المنثورة حولهم، يسبحون العمر ليجدوا رسائل حبّه التي خبّأها لهم في زجاجات ضائعة، يعانقون كلّ جمال وحقّ، ويتعبون مع الناس جميعا لتهجئة الملكوت في جسد هذا العالم على محدوديّته. هم صدّقوه عندما قال "عرّفتهم اسمكَ وسأعرّفهم، ليكون فيهم الحبّ الذي أحببتني به" فصارت قلوبهم عطشى إلى نار حبّ ليست أقلّ من نار الحبّ الإلهيّ، وآمنوا بأنّ نصرَه على الصليب نهائيٌّ: "ثقوا: قد غلبت العالم"، وأنّ النصر الذي حقّقه على صليب الحرّية يعني أنّ الكلمة الأخيرة في الكون في اليوم الأخير هي للمسيح، لفيض الحياة، للحرّية؛ ففي البدء كما في المنتهى هي الحرّية.
التلميذات والتلاميذ الحقّ ليسوع تركوا روح الربّ يرفّ فوق مياه قلوبهم ولألأة عيونهم ليكون مساءٌ ويكون صباحُ كونٍ جديد، وليدَ الحبّ والحرّية.

​خريستو المرّ
0 Comments

أين صوت المنظّمات الشبابيّة المسيحيّة في الحقل العام؟

7/23/2019

0 Comments

 

المقالة الأصليّة
أين صوت المنظّمات الشبابيّة المسيحيّة في الحقل العام؟
​الثلاثاء ٢٣  تموّز/يوليو ٢٠١٩

" كل مجتمع [هو] مؤلف من سلطة حاكمة ومن محكومين، فإذا كان تغيير الوضع القائم من أجل خدمة الأكثرية المحرومة لا يتمّ إلا بواسطة العمل السياسي، فالإنسان المسيحيّ المؤمن والمنطقي يجب أن يلتزم بالتغيير السياسي لأن إيمانه يدعوه إلى إزالة الظلم الواقع على أي إنسان"(المطران غريغوار حدّاد).

في نهاية الستّينات اجتمعت منظّمات شبابيّة ورهبان وراهبات موارنة بحضور ممثّلين لمنظّمات شبابيّة أرثوذكسيّة، وأطلقوا صرخة من أجل إنهاء "الكنسية – المعقل" والتزام المسيحيّين لقضايا المنطقة العربيّة. ذاك الفجر لم يتسنّى له أن يكتمل صباحا. أتت الحرب وقادت العنصريّة والطائفيّة جماعات هائلة من المسيحيّين من الطوائف جميعا إلى مواقف أكثر فأكثر خيانة للمسيح، كان أقصاها ارتكاب المجازر وتخلّلها تذابح "أخويّ".
اليوم لربّما كانت الطائفيّة والعنصريّة أكثر عمقا من قبل، ويشترك بها جماعات كبيرة من اللبنانيّين والسوريّين من الطوائف جميعا، رغم نكرانهم والتكاذب اليوميّ حول التعايش في ظلّ بلاد تعاني أزمات حادّة على أكثر من صعيد. ما هو موقف المنظّمات الشبابيّة من الحروب ومن الطائفيّة ومن الخيارات السياسيّة؟

عندما دعا فيليبّس أحد تلاميذ يسوع نثنائيل لاتّباع يسوع وشكّك ذاك الأخير بأن يخرج شيء صالح من الناصرة، أجابه فيليبّس "تعال وانظر" لتؤمن. لا شكّ أنّه في الحقل الخاص، يمكن للكثير من المسيحيّين أن يعكسوا نور المسيح وأن يرى بواسطتهم الناس وجه يسوع. لكن في الحقل العام هذه الشهادة ليسوع غائبة بشكل شبه كلّي، فالحقل العام متروك لمستغلّين ممّن تسمّوا على اسم المسيح وعملوا كلّ ما يخالفه، ومتروك لأناس حولهم لا حساب فعليّ لهم في أحزابهم. في الحقل العام يرى المجتمع سياسيّين تسمّوا باسم المسيح بينما هم سعاة تسلّط ينهبون البلاد، ويعمّقون الطائفيّة، وينطقون بخطابات ويرسمون سياسات عنصريّة دون أن يرفّ له جفن. في الحقل العام، لا يمكن لإنسان ان يقول لآخر "تعال وانظر".   

ماذا عن حركات الشبابيّة في الكنائس؟ ما دورها الآن؟ ألا يمكن أن تلعب دورا جامعا ومحفّزا للتفكير والعمل الوطنيّ؟ ألا يمكنها على الأقلّ أن تطلق صرخة نبويّة تدين هذا النظام بالذات وتسمّي الأشياء بأسمائها من منطلق مخلص للإنجيل؟ تنهار البلاد ولا تنبسّ الحركات الشبابيّة بكلمة؛ حتّى داخل الكنيسة تأتي الأزمات ولا تتّخذ موقفًا علنيّا صارمًا. شتّان بين هذا الخضوع للأحداث وبين الجدّة والتوثّب والثقة التي كانت في نهاية الستّينات.

هل دّجن السياسيّون الطائفيّون ورجال الدين المستفيدين منهم، الحركاتَ الشبابيّة، أم أنّ هذه الحركات لم تعد ترى دورا لها في الشأن العام؟ أم أنّ الشباب أعلنوا يأسهم في الشأن العام؟ التدجين لا يحصل فجأة، التدجين مسار طويل من "المطواعيّة" وإيجاد المبرّرات في "الظروف الحسّاسة"، التدجين مسار طويل من "التواضع" الخالي من الشجاعة. واليأس مسار طويل من الصمت، والاستكانة، والانسحاب.

هناك أسباب عديدة للصمت الحاليّ، والأسباب تختلف بين سوريّا ولبنان، ولكنّها تستدعي حركة وأبحاثا ومؤتمرات. في البلدين، معظم الشباب المسيحيّ الملتزم سياسيًّا عملاً أو تأييدًا منغمس في الطائفيّة حتّى النخاع، ومعظم الشباب المنسحب من الشأن العام طائفيّ أيضًا ولكنّه إمّا يلهث خلف لقمة العيش، أو منطوٍ على تسلياته الخاصة، أو منطوٍ على "القضايا الكنسيّة" (كأنّ الشأن العام ليس قضيّة كنسيّة!). إلاّ أنّ هناك توقًا واضحًا لخوض والتزام الشأن العام بشكل شريف لا طائفيّ؛ في لبنان ظهر ذلك جليّا خلال الانتخابات النيابيّة، وأيضًا من خلال المشاركة الكثيفة للناس بالتظاهرات التي انطلقت مع تفاقم أزمة الخدمات العامّة. المشكلة هي في عدم وجود إطار واضح للعمل العام الفاعل واللاطائفيّ المستمرّ.

من أجل كلّ هذا، هناك ضرورة للتخطيط لمؤتمرات للمنظّمات الشبابيّة المسيحيّة وذلك لنقد التصرّفات الطائفيّة للكثير من أعضائها خلال الانتخابات، ولدراسة الموقف الإنجيلي من الشأن العام في الواقع، وللبدء بمسار متصاعد يعيد للعمل العام وللالتزام به أهمّيته، كترجمة للإيمان بيسوع المسيح الذي أتى من أجل حياة العالم. هناك ضرورة ماسّة لإعادة الاعتبار لالتزام العمل العام بطريقة منسجمة مع الإيمان، وبالطبع العمل العام لا يقوم به المسيحيّون والمسيحيّات بشكل منغلق متقوقع طائفيّ كما يجري اليوم، وإنّما العمل العام المسيحيّ بالفعل هو ذاك الذي يستلهم فيه المسيحيّون والمسيحيّات إيمانهم للعمل مع كافة المواطنين من الفلسفات والأديان جميعا لتحقيق أهداف خدمة الحياة والفقراء والمهمّشين من خلال سياسات وأنظمة وبنى.
​
في البدء كان الكلمة، والكلمة صار إنسانًا وفِعلاً في العالم. المطلوب مسيحيّة فاعلة تنقذ العالم، لكنّ المسيحيّة كفعل ينقذ العالم غائبة عن الحقل العام، في لبنان بدأت بوادرها في نهاية الستّينات ودفنتها الحرب الأهليّة، حتّى الآن. هل تقوم من هذا الموت؟
 
خريستو المرّ
​
0 Comments

الجريمة التي في وسطنا

7/16/2019

0 Comments

 

المقالة الأصليّة
الجريمة التي في وسطنا

​الثلاثاء ١٦  تموّز/يوليو ٢٠١٩

​منذ عدّة سنوات تتراكم الثروات في يد أقلّ من واحد بالمائة من السكّان، وثلث البلاد على الأقلّ يعيش تحت خطّ الفقر. هذا الواقع ليس مجرّد صدفة، أو نتيجةَ جهدِ أقلِّ من واحد بالمائة منَ السكّان، وكسل أكثر من ثلثه؛ لا، إنّه هو نتيجة نهب ممنهج مرسوم في السياسات الاقتصاديّة للحكومات المتعاقبة. هذه ليست صدفة إنّها جريمة واضحة في وسطنا، جريمة تتجاوز الإدانة، جريمة نسكت عنها ولا ندعوها باسمها الحقيقي: جريمة. وعندما يكون هناك جريمة، يكون هناك مجرمون وضحايا، ومشاركون بالجريمة بصمتهم.
في ظلّ هذه الظروف ماذا كان موقف المسيحيّين؟ هل كان متناسبا مع إنجيلهم؟
​
الفقراء منهم، كفقراء كلّ الطوائف يلهثون خلف لقمة العيش. نرجو أن يعوا يومًا أنّ خصمهم هم السياسيّون المشاركون في نهبهم، لا الفقراء في الطوائف الأخرى؛ وبالتالي ألا ينتخبوا على أساس طائفيّ بل على أساس مشاريع إحقاق العدل.
السياسيّون "المسيحيّون" بحكم النظام الطائفيّ، ما يزالون يطالبون بحصص لطوائفهم (أي بالفعل لأنفسهم). أمّا السياسييّن الذين يتسمّون بالأرثوذكسيّة تحديدًا فسمعنا عن مشاريعَ لبعضهم لتقسيم البلاد أكثر فأكثر على أساس طائفيّ (القانون "الأرثوذكسي" مثلاً)، وسمعنا عام ٢٠١٢، عن مشروع تمّ طبخه في السرّ بين بعض الناشطين الأرثوذكس في الحقل العام ألا وهو مشروع "الهيئة المدنيّة العامّة للروم الأرثوذكس"، وكان يقضي بإنشاء هيئة يستولي على أصوات الأرثوذكس ويدّعي التكلّم باسمهم ليتاجروا بما قيل أنّه "حقوقهم" أمام الدولة اللبنانيّة. بارقة الأمل كان وقوف مجموعات كبيرة من شابات وشباب ورجال دين أرثوذكس، في وجه هذا المشروع فبقي حبرًا على ورق، ونمتنّى أن يكون قد دفن نهائيّا في مزبلة تاريخ الكنيسة.

البلاد تنهار وعوض ان تقف الكنائس، بأصوات مسؤوليها الرسميّين، لتحتجّ وتكون قياديّة بالدعوة لتغيير حقيقيّ في البلاد، عوض أن تؤنّب السياسيّين المنتمين اسميًّا إليها، وربّما تهدّدهم بالطرد من الكنيسة إن خانوا إيمان الكنيسة، ولم يدعموا سياسات تناسب الفقراء والمهمّشين في المجتمع؛ نرى الكنائس غائبة عن هذا الميدان المتروك لشذّاذ الآفاق، وتكتفي بأعمال مساعدات لا ولن تكفي، لأنّ لا أحد يمكنه أن يحلّ مكان دولة. البلاد تنهار والجريمة كبيرة والإدانة لا تكفي. الكلّ مسؤول ومنهم رجال الدين الذين يمتلكون سلطة معنويّة وازنة في المجتمع.

هناك حزن في البلاد لا يستطيع الدمع أن يرسمه، وهناك انفجار في المهمّشين يطلّ برأسه. كيف لنا أن ننظر بوجوهنا في مرآة إن لم نفعل سوى الانتظار؟ ماذا نقول ليسوع حين يسألنا: كنت جائعا فلم توقفوا أسباب جوعي؟ إنّ إنشاء مطاعم المحبّة لتقديم الطعام مجانًا ابتكار رائع، ولكنّه لا يكفي، يجب وقف أسباب الجوع، يجب وقف القمع المعنويّ والجسديّ، الذي يسبّبه هذا النظام الفاسد، يجب قلب هذا النظام المهترئ الذي يقتل بالإفقار. يظنّ معظمنا أنّ أسباب المرض في الفيروسات والباكتيريا، صحيح أنّ هذه أسبابٌ للأمراض، ولكن من المعروف في جامعات العالم أنّ الفقر بيئة خصبة لنشوء الأمراض واعتلال الصحّة.

النظام السياسيّ الاقتصاديّ في البلاد، هذا ما يجب تغييره. يجب وقف الأسباب لا معالجة العوارض فقط. السعي الحثيث لتغيير نظام الظلم هذا وتأسيس نظام عادل يعمل من أجل جميع السكّان هو ضرورة إيمانيّة وأخلاقيّة. صمت المسؤولين في الكنيسة والمنظّمات المسيحيّة أو الاكتفاء باجترار كلمات الإدانة والمطالبة بمساعدة الفقراء دون الكلام عن أسباب الفقر وإدانتها والحضّ على تغييرها هو كلام أجوف.

في وسطنا جريمة، نحن مشاركون فيها بصمتنا عنها. السكون والصمت والاستكانة للواقع هي على نقيض الإيمان الذي يحرّك الجبال، وقد حرّك التاريخ غير مرّة. في وسطنا جريمة ونحن نشاهدها تكبر وتكبر ونتخاذل يائسين. لكن لا يأس في الإيمان. هناك ما يمكن عمله إن شحذ المخلصون بيننا هممهم، واتّخذوا الهمّ العام همّهم الشخصيّ، وأعلنوا حالة طوارئ في النقابات التي ينتسبون إليها والمؤسّسات التي يعملون بها.

في وسط هذه العتمة هناك أمل، هناك يسوع يقف وسط الأمواج ويطلب منّا أن نمشي ببلادنا ومواطنينا إليه، ولن نغرق إن ركّزنا نظرنا عليه، على وجهه هو لا على طوائفنا، ووجهه نجده في كلّ وجه مقهور.

هناك أمل ولكنّه ينتظر من يحمله. أليس يسوع هو سيّد التاريخ؟ أليس هو الذي قال لنا "ثقوا قد غلبت العالم"؟ يمكننا أن نثق به اليوم ليمدّنا بقوّة قيامته فنقيم معه بلادنا من موتها البطيء. المسيحيّون مطالبون بالثقة بربّهم والتحرّك من أجل الجميع لا من أجل قبائلهم الطائفيّة، بالتحرّك من أجل أحبّاء يسوع المهمّشين وكلّ الناس.
في وسطنا جريمة تُرتكب مَنْ لا يساهم في وقوفها هو يشارك فيها.
 
خريستو المرّ

0 Comments

هؤلاء الذين لا يشبهوننا.. إنّهم يشبهوننا كثيرًا

7/9/2019

0 Comments

 

المقالة الأصليّة
هؤلاء الذين لا يشبهوننا.. إنّهم يشبهوننا كثيرًا
​الثلاثاء ٩ تموّز/يوليو ٢٠١٩

0 Comments

الكفاح في سبيل إلغاء الطائفيّة: العلمانيّة شرطُ إيمانٍ سليم

7/2/2019

0 Comments

 

المقالة الأصليّة
الكفاح في سبيل إلغاء الطائفيّة: العلمانيّة شرطُ إيمانٍ سليم
​الثلاثاء ٢ تموّز/يوليو ٢٠١٩

يقول يسوع لتلاميذه ولكلّ مسيحيّة ومسيحيّ من بعدهم "إن أحببتم الذين يحبّونكم فأيّ فضل لكم، لأنّ الخطأة أيضا يحبّون الذين يحبّونهم"(لوقا ٧: ٣٢)، والخطأة في حديثه تعني الوثنيين. يحذّر يسوع أتباعه من هكذا "محبّة" لأنّها ليست سوى اجتماع وثنيّ على العصبيّة المنغلقة على ذاتها، تلك العصبيّة التي تجعل من الإله مُلكًا للقبيلة وصنمًا تستخدمه وسيلة غلبة في حروبها لمواجهة الجماعات الأخرى في صراعها للاستيلاء على الخيرات.
الطائفيّة في بلادنا هي نوع من أنواع تلك الوثنيّة التي حذّرنا منها يسوع. فالطائفيّة هي موقف فرديّ/جماعيّ يتّخذه إنسان/مجموعة يمكن في اتّخاذ الله والإيمان به وسيلة من أجل الحصول على حصّة من ثروات البلاد، وذلك في مواجهة مع أفراد/مجموعات أخرى من طوائف أخرى يحاولون الأمر عينه.

إنّ الموقف الطائفيّ يضع الطوائف المختلفة في مواجهة بعضهم مع بعض، أي في توتّر دائم ومواجهة دائمة، ما يجعل البلاد في حالة مأزومة بشكل دائم. لكنّ المستفيدين، في النهاية، من حصّة الأسد من هذا النزاع على مقدّرات البلاد ليسوا الذين يخوضون المعارك بكلامهم وكتاباتهم وأجسادهم، بل هم بالضبط الذين لا يخوضونها: إنّهم زعماء هذه المجموعات الطائفيّة، ودليلنا هو الثروات الهائلة التي يجنيها هؤلاء مقابل فتات الوظائف المدفوعة من مقدّرات الدولة (أي من الدين العام، الذي سيدفعه المواطنين أنفسهم وليس الزعماء) والتي يوزّعها الزعماء على بعض الأتباع الذين يؤدّون لهم حرّيتهم جزيةً وهم صاغرون. إنّ الحرّية هي الجزية المعاصرة للأتباع أمام الزعماء وللزعماء أمام القوى الخارجيّة. فالزعماء اللبنانيّون يسعون لتدعيم موقفهم داخليّاً بتدعيم العصبيّة الطائفيّة، وبيع مواقفهم خارجيّاً بالارتهان إلى دول أجنبيّة يدعونها للتدخّل طمعا بانتصارهم على منافسيهم وانتزاع حصّة أكبر من مقدّرات البلاد.

هذا ما يقود البلاد إلى حافّة الإفلاس وإلى تدهور في الخدمات العامّة. وبالإضافة إلى الدمار المادّي الكبير الذي يسبّبه الموقف الطائفيّ في الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والأكاديميّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، فإنّ الموقف الطائفي يسبّب دمارًا غالبا ما ننساه ألا وهو الدمار في الحياة الإيمانيّة. فالموقف الطائفيّ الذي يحوّل المجموعات والأفراد إلى أدوات بيد الزعماء (والقوى الخارجيّة خلفهم)، للنزاع على المغانم وتدمير مستقبل بناته وأبنائه، يستخدم الله نفسه لتحقيق مآربه! الطائفيّون وكهنتهم من رجال دين وإعلاميّين يستخدمون الله أداة صراع (وأحيانا حرب) لجني مغانم وسؤدد وتسلّط، وهذا مخالف للإيمان، فلبّ الإيمان بالله يكمن في محبّة الله بحفظ وصاياه، ولبّ وصاياه هو الدفاع عن المظلوم وردع الظالم، وإحقاق العدل الاجتماعيّ والاقتصاديّ ومعاملة الناس سواسية.

إنّ النظام الطائفيّ في لبنان هو الذي يديم الطائفيّة ويدفع الناس دفعًا لاستخدام الله كوثن صراع وحرب. الطائفيّة تشوّه الإيمان مدمّرة الحياة الإنسانيّة (فقر، أمراض...) ولهذا، فإن الاخلاص الإيمانيّ لله يقتضي أن نسعى ليل نهار لأنهاء النظام الطائفيّ، وذلك للعودة إلى إيمان أصيل يكمن في خدمة الله بخدمة الحياة على الأرض وخدمة حياة "عياله": الناس جميعًا، وخاصّة المهمّشين منهم. وبالنسبة للمسيحيّين فإنّ إخلاص المسيحيين ليسوع يفرض عليهم فرضا إيمانيّا ألا وهو أن يكونوا سبّاقين في التعاون مع مواطنيهم من الأديان والفلسفات جميعا لإنهاء الطائفيّة بجميع مظاهرها.

لا يوجد في الواقع الأرضيّ الذي نعرفه اليوم، طريقة في العيش تضبط من استخدام الله وسيلة سياسيّة، سوى شكل من الحكم يسمّى العلمانيّة. شكل الحكم هذا، ينزع فتيل الصراع، ويعيد للناس إمكانيّة أن ينظروا إلى أنفسهم كمواطنات ومواطنين في دولة حقيقيّة. لا يشعر اللبنانيّون واللبنانيّات والسوريّون والسوريّات ومواطنيّ العالم العربيّ برمّته بخوف على المصير من الطوائف الأخرى، أو على الإيمان، في البلاد التي هاجروا إليها وذلك لأنّها بالضبط بلاد علمانيّة. العلمانيّة شرط إيمانٍ سليم.
"في سبيل كلّ اللبنانيّين ندعوكم إلى الكفاح في سبيل إلغاء الطائفيّة"، هكذا تكلّم مجمع الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة عام ١٩٧٥ في بيانه النبويّ، الذي ينبغي أن يشكّل إلهامًا للمسيحيين والمسيحيات اليوم في لبنان، عوض التلهّي بالركض وراء زعيم طائفيّ أو آخر إلى جحيم أعمق يتوهّمونه خلاص، في خيانةٍ ليسوع المسيح ووصاياه.

خريستو المرّ

0 Comments

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة