موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

مدوّنة الثلاثاء

​الوحش والكنيسة: حرّية الضمير

11/26/2019

0 Comments

 

الكنيسة و​الوحش: حرّية الضمير

هناك من يتحسّر على عدم قدرة الكنيسة أن تتدخّل في الدولة، بحيث أنّ أوضاعًا تُشَرَّعُّ في المجتمع، خاصّة في بلاد أوروبا وشمال أميركا، ولا يمكن للكنيسة أن تضغط على الدولة لمنعها (حرّية التعبير في عرض مسرحيّ أو فيلم، تشريع الحشيش، الإجهاض، إلخ). لا يفهم أنّ ما يطلبونه هو تسلّط لا مسيحيّة.
 
لا يوجد سبب لأن تعارض الكنيسة قوانين ... تسمح... للناس بالتصرّف بطريقة مخافة للوصايا الإنجيليّة، إذ يمكنها أن تدعو المؤمنات والمؤمنين ألاّ يتصرّفوا بحسب تلك القوانين، وتتركهم لحرّيتهم. هذا موقف يحترم الناس جميعا. في المقابل، يمكن للكنيسة، بل من واجبها، أن تعارض مطلق أيّة قوانين ...تفرض... على الجميع (ومنهم المسيحيّات والمسيحيّين) أوضاعا متعارضة مع الإنجيل كالتمييز ضدّ النساء، أو العنصريّة، أو التعذيب، أو التمييز ضدّ المسيحيّين أو ضدّ المسلمين أو ضدّ اليهود أو ضدّ الملحدين، إلخ.؛ إذ من واجبها عندها أن تعمل مع الجميع، وخاصّة ضحايا تلك القوانين، كما ومع كلّ الأطراف الشريفة في المجتمع، على إزالة تلك القوانين، وأن تقوم بتشجيع المسيحيّات والمسيحيّين على أن يكونوا أحرارًا تجاه الدولة، وقوانينها الجائرة، وأن تحثّهم على النضال من أجل العدالة، حتّى ولو وصلوا في لحظة ما، في ظلّ حكم متعسّف متوحّش أصمّ، إلى العصيان المدني.
 
قد يتفاجأ القارئ أنْ كيف يمكن دعوة مؤمنين (أو مطلق أيّ إنسان) إلى مخالفة القوانين؟ هذا السؤال هو بالضبط ما يُظهر مدى غربة المسيحيّات والمسيحيّين عن مسيحهم، فهدف الكنيسة لا أن تعلّم الناس أن يطيعوا القانون بل أن يَحكِموا على كلّ شيء ومنها القوانين من زاوية إيمانهم، أي بضميرهم الكنسيّ إن صحّ التعبير، بحيث لا يخضعوا سوى لضميرهم، ليسوع في ضميرهم، "لأنّه من الأفضل إطاعة الله من إطاعة الناس" (أعمال 5: 29).
 
من الطبيعي أمام هكذا فكر إنجيلي أن يغضب أكثر من قارئ، كما غضب السنهدرين (مجمع رجال الدين في الطائفة اليهوديّة) من بطرس والرسل عندما قالوا "الأفضل إطاعة الله من إطاعة الناس"؛ وغضبُ السنهدرين وصل إلى حدّ رغبتهم بقتل الرُسُل لأنّهم أظهروا حرّية ضمير هائلة مُحَرِّرة تجاه السلطة الدينيّة وإرادتها "فلمّا سَمِعُوا حَنِقوا، وجعلوا يتشاورون أن يقتلوهم" (أعمال 5: 33) وذلك بالضبط لأنّ حرّية الرسل أمام السلطة الدينيّة زعزعت أسس السلطة العمياء، السنهدرين واجه أناسًا أحرار أمام سلطة تريد قمع حرّية الضمير، أناسًا يحكمون على السلطة وقوانينها باسم الحرّية التي اكتسبوها في يسوع.
 
السلطة والقوانين ليست أعلى من الضمير، سلطة تريد بالقانون الجائر نهب شعب وإخضاعه لا تُطاع، بل تُعصى. بالإيمان بيسوع تحكم المؤمنة والمؤمن على أيّة سلطة تفرض على الناس أوضاعا جائرة حتّى ولو كان يفرضها بقوّة القانون (العفو العام قانون ولكنّه جائر، الأرباح الصاروخيّة المدفوعة للبنوك قانونيّة ولكنّها جائرة، الطائفيّة قانونيّة ولكنّها جائرة لأنّها تولّد تمزّق المجتمع وتحمي النهب المشترك، اهمال الحكومات خلق فرص عمل قانونيّ ولكنّه جائر لأنّه يهجّر الناس من أرضها، إلخ.). الكنيسة الرسميّة طالما تعاملت مع وحش السلطة كما هو، وتطبّعت بطبائعه، وسوّغت له وحشيّته؛ مؤخّرا في لبنان دافعت الكنائس جميعا عن وحش المال والسلطة والطائفيّة في بيان مشترك في بكركي. الكنيسة الرسميّة سقطت مرارا وتكرارا، وأضحت اليوم تحيا متحجّرة خارج التاريخ، وللروح أن يتفجّر فيها حيويّةً ساعة تتوب.
 
أمّا المؤمنات والمؤمنون الأحرار فيحرصون على إعلاء سلطة يسوع المحرِّر على أيّة سلطة أخرى، يرفضون ما استطاعوا أن تعمّد الكنيسةُ الوحشَ، أن تصمتَ أمام وحشيّته؛ لسان حالهم يقول أنّ الأفضل إطاعة الله من إطاعة الناس، وهم بذلك يجسّدون جسد المسيح السرّي، الممتدّ في الكنيسة المنظورة وغير المنظورة، في جماعة الأحرار الذين يحبّون حتّى أعمق الحياة، شاهدين للحياة وربّ الحياة، حتّى الشهادة.
 
خريستو المرّ
0 Comments

لاهوت العصيان

11/19/2019

0 Comments

 

لاهوت العصيان​

«أُعطوا لقيصر ما لقيصر» يجب أن تفهموا من ذلك [أن تعطوا] الأمور التي لا تتعارض مع خدمتكم لله، لأنّها إن كانت تتعارض معها فإنّها لا تكون عطاء لقيصر وإنّما للشيطان".
 
يؤكّد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم بهذه الكلمات البسيطة مركزيّة وإطلاقيّة سلطة الله في الحياة ونسبيّة أيّة سلطة أخرى، ويحرّر بالتالي ضمير المؤمنة والمؤمن تجاه الآخرين أكانوا يتمثّلون بدولة أو بملك أو بأمير أو بديكتاتور أو بمؤسّسات أو بأيّة بنية إنسانيّة نبتكرها لننظّم بها حياتنا معا.
وصايا يسوع والإخلاص له يحرّران الإنسان من سلطة الحاكم أو القائد، وفي الزمن الحديث من سلطة الدولة؛ فكما يقول جان ماري موللر أحد منظّري لاهوت التحرير، يجب "عدم إعطاء قيصر ما هو لله"، فالطاعة المطلقة (أي الالتزام الحرّ للوصايا) مطلوبة فقط تجاه الله؛ وإعطائها لمطلق أيّ إنسان فيه مخالفة صريحة لوصيّة يسوع. وبهذا تحرّرنا العلاقة الصافية مع الله من أيّة سلطة بشريّة - ومنها سلطة الدولة والأحزاب والجماعات المختلفة - إن حاولت أنت تتسلّط على الضمير، وأن تدفع الإنسان أن يعمل بعكس وصايا يسوع، وإن طلبت منه طاعة مطلقة. لقد عبّر يسوع عن ذلك بشكل مباشر وحادّ وصادم بقوله "من يحبّ أبًا وأمًا أو أختًا أو أخاً أكثر منّي فلا يستحقّني"، وبالطبع لا يقصد يسوع ألاّ يحبّ الإنسان كلّ هؤلاء وإنّما ألاّ يأسر الإنسان أيّ أحد أو شيء ويمنعه عن علاقة حرّة مُحْيِيَة بيسوع، وعن ولاء لله-المحبّة. هكذا، فتح يسوع أمام ضمير المؤمن إمكانيّة التحرّر من أيّة روابط «طبيعيّة»، كانت وما تزال حتّى يومنا، تُعطي سُلطة للقبيلة العائليّة، والجماعة الدينيّة، والجماعة الوطنيّة، وكلّ ذات جماعيّة، على حساب ضمير الإنسان، ومسيرته في الحقّ.
 
كلام يسوع يحرّر من سحق المجتمع للفرد ومن سحق الدولة للفرد، وبهذا يرسّخ قيام الإنسان كمُطْلَق تجاه كلّ البُنى الإنسانيّة، ويفسح له المجال الأخلاقيّ وفسحة الضمير اللازمة للوقوف بوجه تلك الروابط والبُنى إن ما حاولت تلك سحقه بفروضٍ لا إنسانيّة. لا طاعة لظلم ولا لظالم. هذا لا يعني انّ يقتل الإنسان الروابط، أو ينغلق على ذاته كفرد، ولكن يعني أن يسعى أن تتجلّى تلك الروابط، كي تتحوّل من روابط موت وانغلاق وتبعيّة عمياء، إلى روابط حرّية ومشاركة وتعاون خلاّق؛ بحيث يولد الإنسان جديدا في يسوع فيسعى لتجلّي المجتمع، كما ويسعى أن يؤسّس بُنى مجتمعٍ جديدٍ تساهم في تجذّره وتجدّده في يسوع، عوض أن تساهم في إضاعة طريقه عن يسوع؛ فيسعى مثلا مع غيره لتأسيس بُنى مجتمع مشاركة وحرّية عوض مجتمع الظلم والعبوديّة. الطاعة المطلقة ليسوع مطلوبة من المؤمنة والمؤمن ولكنّهما ليسا مجبران عليها، إذ يستطيعا رفض يسوع؛ لكنّهما لا يمكنهما أن يخلصا ليسوع وهما يعطيان أولويّة للزعيم والقائد ويغضّان الطرف عن الظلم والقهر.
 
لكن هل طاعة يسوع تقهر الحرّية الإنسانيّة؟ من يترك مجالا لنفسه كي يتأمّل يفهم أنّ وصايا يسوع لا تفرض على الإنسان مجموعة من الشروط الاعتباطيّة الخارجيّة، وإنّما هي إلاّ إشارات إلى الطريق التي تنسجم مع رغبة عمق أعماق الإنسان، رغبته بأن يحقّق إنسانيّته بأن يكون مُحِبّا وحُرّا. يسوع يوصي بان نحبّ ونتحرّر، لهذا قال القديس باسيليوس الكبير بأنّ "الإنسان مخلوق أعطي أمرًا بأن يصير إلهًا" أي أعطي اتّجاها في نفسه يدفعه بأن يكون مُحِبّا حرّا على صورة الله الذي كشف لنا نفسه محبّة حرّة. إذا الطاعة المطلقة ليسوع ليست قهرا بأيّ شكل من الأشكال ولا فرضا لأمور خارجيّة عن الإنسان ورغبته الأصيلة، «الطبيعيّة» بالفعل، بالتواصل الحميم مع الآخر الإنسان والآخر المطلق (الله)، وأن يترجم ويجذّر هذا التواصل من خلال الحبّ والحرّية ممارسَتَيْن في علاقاتنا اليوميّة.
 
ليس لمطلق أيّ بُنية انسانيّة ولا مؤسّسة ولا فكر ولا عقيدة، أن تُعطى أولويّة على الضمير، على محبّة يسوع، على الوقوف إلى جانب الوجوه الموجوعة، على دعوة يسوع بأن لا نعطي لقيصر ما هو لله.

الثورة على الظلم هو خطوة إيمانيّة ضروريّة لتركض قلوبنا حافيةً في إثر سيّد المحبّين.
 
خريستو المرّ



0 Comments

مريم: الحرّية والثورة

11/12/2019

0 Comments

 

مريم: الحرّية والثورة
الثلاثاء ١٢ تشرين ثاني/ نوفمبر ٢٠١٩

من المعتاد في الكنسية التركيز على مريم كإنسانة قبلت أن يتجسّد منها كلمة الله إنسانًا، وأنّها بذلك إنسانة قدّيسة وتحتلّ مكانة أرفع من جميع القدّيسين. هناك تشديد مهمّ جدّا في بعض التعليم الكنسيّ أنّ كلمة الله لم يكن ليتجسّد من مريم لو لم توافق، أيّ أنّ الله احترم حرّية مريم، فهو لا يقهر حرّية إنسان لأنّ الله محبّة لا يمكن للمحبّة أن تقهر، وهو لم يقهر حرّية حتّى صالبي يسوع. هذا أمر مهمّ جدًّا. لكن هناك أمرًا آخر في مريم، أمرًا ثوريًّا، لا توليه الذكوريّة فينا عناية كافية.
في المقاطع التي يوردها الإنجيل عن ولادة يسوع، نلاحظ أنّ الله دخل في خطاب مباشر مع مريم، لم يطلب كاهنا، ولا لاهوتيًّا، ولا وساطة، كلّمها مباشرة. هذا لا يعني أنّ مريم كانت منقطعة عن الجماعة الدينيّة ولا عن بيت الصلاة، فهي -بحسب سيرتها- كانت ملتصقة بشكل صميم بالجماعة الإيمانيّة وطرق العبادة الموجودة في عصرها. ولكن رغم ذلك، الله كلّمها مباشرة.
هناك علاقة مباشرة لله بكلّ شخص، هناك حضور مباشر لله في كلّ إنسان وكلّ خليقة، ولا يمكن لأحد أن يمحو أو أن يكون وصيّا على هذه العلاقة المباشرة. بل في المسيحيّة هناك إيمان بأنّ الله يسكن القلوب، ومن الانجيل، حتّى دينونيسيوس الأريبوباغي (المنحول) وحتّى مكسيموس المعترف تقول الكنيسة بحضور كلمة الله في كلّ مخلوق، حضورا لا يمكن تدميره، ولا يحتاج بالطبع وصايةً من أحد. وإن كان هذا الحضور يمكن ترجمته بأنّه "صورة الله" المشتركة بين الناس جميعا، ففي الكنيسة هناك أيضا إيمان بأنّ الروح القدس لديه حضور شخصيّ وخاص وحميم وفريد بفرادة الشخص البشري (كما يشير فلاديمير لوسكي مثلاً).
ومقابل حرّية الله التي تدخّلت في التاريخ البشري باحترام للحرّية، وكلّمت مريم مباشرة دون وصاية، كان هناك حرّية مريم. كلّم الله مريم بواسطة ملاكه وقال لها أنّه يريد لكلمته بأن تتجسّد منها. لم تطلب مريم موافقة أخيها، ولا موافقة أبيها، لكي تقول «نعم» لله. بقيت حرّة في علاقتها الشخصيّة بالله، وأخذت على مسؤوليّتها ما يترتّب عليه قبولها لما تطرحه عليه حرّية الله. لو أنّ مريم طلبت موافقة أهلها، أو أقربائها، لما ولد منها يسوع على الأرجح لأنّهم لحاولوا ثنيها عن رأيها، وربّما منعها وتعنيفها، لأنّ حملها به كان فضيحة في مجتمعها.
قبلت مريم «فضيحة» مجتمعها دون عودة لأحد، كان إنسانة حرّة تقوم «نعم» بحرّية، وتجيب الله الذي خاطبها شخصيّا جوابا شخصيًّا، دون إذن من أحد. ما من حرّية أوسع وأبهى وأكثر شجاعة من حرّية مريم. كانت ثورة كاملة.
حرّية مريم كانت متوافقة مع رغبتها بأن تكون مع الله، فحين أتى رسول منه ليقول لها أنّه يريد أن يكون معها بشكل فريد، بأن يولد منها يسوع، قالت «نعم»، لتحقّق بحرّيتها رغبتها. بلغة مكسيموس المعترف استعملت مريم حرّية إرادتها الشخصيّة (خيارها)، لتحقّق أرادتها "الطبيعيّة": أن تكون مع الله والإنسان؛ مخلصة لنفسها.
اليوم أيضاً، نساء العالم، كلّ امرأة من نساء العالم، في كلّ خطوة جذرية تخطيها بحرّيتها لتكون مع الآخر الإنسانيّ أو الإلهيّ مخلصة لنفسها، في موضوع أو آخر، في خيار أو آخر، خطوتها قد تكون «فضيحة»، فضيحة لأخيها وأبيها وزوجها ورجل دينها وكلّ من نصّب نفسه، أو نصّبت نفسها، حاكما أو حاكمة في حياة إنسان آخر، أو موزّعًا أو موزّعة لدرجات «الأخلاق» في المجتمع.
كلّ امرأة تحبّ مريم، لابدّ لها أن تكون حرّة مثل مريم، ولو أنّ حرّيتها قد تخطئ طريق الاتّحاد الحبّي بالله والبشر، ولكن هذا شأن حرّية الرجل أيضًا، إذ كلّ حرّية تخطئ، ولكن إمكانيّة الخطأ هذه وحدها ما يعطي معنى لكلّ خيار محبّة وحبّ وصداقة وتعاضد وتعاون وتكافل وثورة على ظلم. بالطبع الأمر ينطبق على الرجل أيضًا.
الإنجيل يصدمنا دائمًا. مريم كانت حرّة. عاشت في قلب الجماعة، ولكن في حكايتها الشخصيّة مع الله كان مرجعها ذاتها وكلمة الله التي فيها. حكاية مريم مع الملاك الذي بشّرها، تُبيد كلّ تمجيد لرضوخٍ وإحجامٍ عن الحرّية. هي على عكس ذلك كلّه ليس فقط لكونها قالت «نعم» بشكل حرّ، ولكن أيضًا لكونها لم ترجع لأحد لتقول «نعم»، وأخذت على عاتقها حرّيتها وجوابها الشخصيّ لخطاب الله لها. قبلت «الفضيحة» لتكون نفسها، لتكون حرّةً.
شكرا مريم لدرس الحرّية ولقبولِك «الفضيحة» من أجلنا جميعًا، ومن أجل نساء العالمين، ومنهنّ الثائرات في بلادنا.
خريستو المرّ
0 Comments

أزمة الحرّية في المسيحيّة في بلادنا

11/5/2019

0 Comments

 

أزمة الحرّية في المسيحيّة في بلادنا
الثلاثاء 5 تشرين ثاني/نوفمبر 2019

تمرّ المسيحيّة في بلادنا في أزمة حقيقيّة منذ زمن طويل. يتشعّب وصفها ولكنّها تُختَصَر بأنّها أزمة حرّية، أي بعبارة أخرى أزمة تربية على الخضوع.

يمكننا أن نرى آثار هذه التربية على الخضوع في السياسة من خلال انحياز جماعات واسعة مسيحيّة إلى خطاب التعصّب الفئويّ والكاره للآخر المختلف (السوريين والفلسطينيين، العمّال الأجانب) خلال الحرب اللبنانيّة وبعدها، وصولا إلى يومنا حيث تنجرّ جماعات واسعة إلى خطاب شوفينيّ عنصريّ يتكلّم لغة الفاشيّة من كلام حول "جينات" اللبنانيّة. ولا تزال تلك الجماعات مخلصة لتلك القيادات تحت مسمّى "الإخلاص" رغم انحراف خطاباتها وممارساتها عن مبادئ الإيمان.

في الوقت نفسه تمتدّ في الكنيسة ثقافة الخضوع والممالأة: الكهنة للمطران، وبعض المطارنة للبطريرك، وضروب التهديد (الإقالات الجماعيّة من جامعة مسيحيّة مؤخّرا، وإجبار الأستاذة على التوقيع على ورقة تمنعهم من مناقشة أمور الجامعة، والطرد الكيدي لبعض الأساتذة بعد إعطائهم تطمينات بعدم المسّ بهم) والترغيب (إغراء بعض العلمانيّين بسيامتهم كمطارنة مقابل الولاء الأعمى)؛ وتحكّم بعض الرهبان والراهبات بالعقول والنفوس بإقناع شابات وشباب بعدم التصرّف بأيّة شاردة أو واردة في حياتهم دون الرجوع إليهم، أي بإقناعهم بالاستقالة من عقولهم وإرادتهم بعد تصوير العقل بأنّه مصدر كبرياء وبأنّ الحرّية مصدر شرور، وبأنّ تسليم النفوس التي خلقها الله حرّة، والخضوع الأعمى، هو الطريق "السليم" لدخول الملكوت.
​
أضف إلى ذلك نشوء جماعات من الأصوليّين التي تغتذي من ذهنيّة الاستتباع والخضوع وتغذّيها، جماعات مغلقة أسيرة ذهنيّة رُهابيّة ترى في العالم الخارجيّ مجموعة من المؤامرات التي تهدف إلى ضرب الإيمان الحقّ الذي تمثّله تلك المجموعات أو قائدها. جماعات يبحث أعضاؤها عن هويّة جماعيّة فلا يجدونها في ظلّ التسلّط الرسميّ، وانقطاع معظم المطارنة عن هموم الرعيّة، وغياب روح القيادة الكنسيّة، وغياب اهتمام الدولة بحقوقهم، إلاّ بالذوبان في مجموعة ذات تاريخ مجيد متخيّل.

في سوريا كما في لبنان، تحالفت الكنيسة الرسميّة مع الحكم المتعسّف والاستغلاليّ وما بيان بكركي، الذي مثّل الكنائس جميعا، إلاّ مثال عن تعاضد الكنيسة الرسميّة مع الفساد والإفساد. وأمّا التبعية العمياء التي تخوضها جماعات واسعة من المسيحيين لقيادات سياسيّة شوفينيّة، وأبويّة، ومتعالية، أو ذات تاريخ دموي، إلاّ تعبير عن ضياع حقيقيّ وتعبير عن حاجة حقيقيّة للانتماء لا يتمّ تأمينها عن طريق نموّ مستقلّ في جماعة متعاضدة تؤمّن شروط الحرّية والاختلاف، وإنّما وهميًّا عن طريق الاندماج الذوبانيّ في مجموعة متجانسة، مجموعة لا بدّ أن تلاحظ فيها إرهاصات وتعابير الفاشيّة والديكتاتوريّة.

حتّى المدارس تهدّد – كما فعلت اليوم راهبة هي مديرة لمدرسة مسيحيّة – تلامذتها بالطرد وبخراب مستقبلهم الدراسيّ إن اشتركوا في التظاهرات التي تجتاح لبنان. الراهبة الوقورة تطلب من طلاّب المدرسة أن يخونوا ضمائرهم ويتراجعوا عن المشاركة في تظاهرة. هذه تربية على خيانة الضمير، ومن تعلّم أن يخون ضميره خوفا فأيّ مواطن يكون في المستقبل؟

لحسن الحظّ هناك مدراء مدراس أخرى يشاركون الناس همومهم ويسعون كي يعبّر الطلاّب وأهاليهم عن ضمائرهم مع بقيّة المواطنات والمواطنين. ولحسن الحظّ هناك أيضا جماعات واسعة جدّا من المسيحيين، غير الحزبيّين، حرّروا ضمائرهم ولم يتبعوا سوى يسوع الذي عندما دعاهم من قلب وجه المظلوم، "لم يستشيروا لحما ودمًا"، بل انطلقوا إلى النضال مع مواطناتهم ومواطنيهم في كلّ مكان من أجل عالم أفضل يحترم صورة الله في الجميع.
أزمة الحرّية كبيرة، وهي ليست فقط سياسيّة، وعندما تنتصر الحرّية في النفوس لا بدّ لها أن تشعّ في كلّ مكان، في المجتمع وكذلك في الكنيسة ومؤسّساتها، وفي العائلة، ومراكز العمل، والجامعات، والمدارس، مطهّرة إياها من كلّ تسلّط وتبعيّة.
 
خريستو المرّ
0 Comments

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • الصفحة الرئيسة
  • كتب
  • محاضرات
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة